مدونـة رئيــس الملائكــة رافائيـــل

بسم الآب والابن والروح القدس اله واحد امين : مدونة رئيس الملائكة رافائيل ترحب بكم : افرحوا فى الرب كل حين واقوال ايضا افرحوا (فيلبى 4:4)

الثلاثاء، 16 فبراير 2016

28- وتتركوني وحدي ــ كتاب انطلاق الـروح

هو ذا تأتي ساعة وقد أتت الآن، تتفرقون كل واحد إلي خاصته..
وتتركوني وحدي..


واقف وحده.
كان ذلك المحب الحنون الطيب القلب يجول يصنع خيراً.
ينتقل من قرية إلي قرية ومن مدينة إلي مدينــة يكـــرز ببشــارة الملكــوت ،
ويشفي كل مرض وكل ضعف في الشعب.. ومع ذلك، اجتاز حياة مليئة بالألم.


وكان الجميع يتركونه وحده ،
علي الرغم من أنه في حنانه لم يترك أحداً.
وهكذا وجدناه وحيداً في متاعبــه وآلامـــه،
                وحيداً فيما يتعرض له من ظلم وأضهاد: لم يدافع عنه  ،
                ولم يقف إلي جواره أحد، وإنما { جاز المعصرة وحدة }.


كان يصـــلي في بســــتان جسثيماني ،
وكان يكلم الآب في لجاجــة وقد ســـال
{عرقة كقطرات دم نازلة علي الأرض
وهو يصرخ في اكتئاب:
                          { يا ابتاه أن أمكن فلتعبر عني هذه الكأس }
أما تلاميذه، أحباؤه وأصدقاؤه، فقد تركوه وحده وناموا،
ثلاث مرات يرجوهم أن يسهروا معه واحدة وهو لا يستجيبون له؟ { مت26: 38- 45 }..


وعند القبض عليه تفرق تلاميذه كل واحد إلي خاصته
                      وتركوه وحده كما سبق أن قال لهم { يو 32:16 }..


ولما حوكـــــــــم لم يدافـــــــــع عنه أحــــــــــــــد،
                   وهو الذي دافع عن أشهر الخطأة...
وفي آلامـــــــــــه لم لكن هنــــــاك من يعـــــــــزيه.


أنه درس يعطيه لنا السيد الرب عندما يضطهدنا الجميع ،
وعندما يتركنا حتي تلاميذنا أيضاً، ويقف كل منا وحــده ،
وليس في وقت الآلام فقط، وإنما في كل حيــاته أيضـــاً..


كان يكلم اليهود في الهيكل محثـــاً إياهم عن التناول من جسده ودمه،
وإذ صعب علي البعض فهم هذا الأمر. يقول القديــــــس يوحنـــــــــا :
{ من هذا الوقت رجع كثيرون من تلاميذه إلي الوراء ولم يعودوا يمشون معه ،
فقال يسوع للاثني عشر ألعكـــم أنتم أيضــــاً تريـــدون أن تمضوا  }{ يو66:6 }..


وفي مرة من المرات دعا البعض إليه :
فاعتــذر واحد ببقرته التي يريد أن يختبرها ،
واعتــذر الآخـــــر مشـــــغول بزوجتــــــــه ،
واعتــذر الثالث لمشغوليته بحقله. وتركه الجميع وحده ،
مع أنهم كانوا ثلاثتهم ممن أنعم عليهم { لو14: 18- 20 }.


ويعوزني الوقت يا أخي ان حدثتك عن المسيح الواقف وحده :
الذي { إلي خاصته جاء وخاصته لم يقبله } { لو 11:1 }.
        ذلك النـــور الذي جــاء إلي العـالم ،
       وأحب العالم الظلمة أكثر من النور } { يو 19:3 }.


كل ذلك حدث في القديم ومازال يحدث حتي الان .  
نفس الصورة القديمة :
المسـيح واقـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــف ،
والعالــم منشغل عنه بملاذه وملاهيه وطيشه .


ليس من يهتم بيسوع، ليس ولا واحد ،
ليس من يجلس إليه كمريم أخت مرثا ،
أو يتكئ في خضنــه كيوحنا بن زبدي ،
أو يغسل قدميه كالمـــرأة الخاطئـــــة .


والمسيح نفسه يشعر بهذه الوحــــدة ،
ويعرف أن غالبية العالم منصرفة عنه ،
بل أن الكتاب ليتساءل أكثر من هــذا :
عندمـــا يأتي المســــيح إلي العــــالم :
ألعله يجــد الإيمــــان علي الأرض ؟!


فهل أنت أيضاً تارك الرب يسوع وحده ،
ألك ما يشــــغلك عنــــه أسأل نفســــك ؟


كان وحيداً في تفكيره :
قليلون كانوا يفكرون في المسيح ،
و حتي هؤلاء :
الذين كانوا يفكرون فيه ويتحدثون معه ويستمعون إليه ،
هؤلاء أيضـــاً كانت لهم طريقهتــم الخاصة في التفكير ،
التي كثيراً ما كانت تتعارض مع طريقة المعلم الصالح .


يذهب السيد إلي السامرة
 فتطرده تلك المدينة الخاطئة وتغلق أبوابها في وجهــه ،
وهنا يلتفت التلميذان اللذان كانا مع المسيح ويقولان له :
{ إن شئت يارب أن تنزل نار من السماء وتحرق هذه المدينة  }!
ويرد عليهما السيد :
{ لستما تعلمان من أي روح أنتما ،
إن ابن الإنسان لم يأت ليهلك العالم بل ليخلص العالم  }.


كان هذان التلميذان يفكران بطريقة غير طريقة معلمهما الطيب
الذي يشــتعر لأن له في هذه المدينــة كثــــيروين مختـــــــارين .


هذا الشعور العدائي نحو السامريين، اقتبسه التلاميذ من معاصريهم من الفريسيين والكتبة وغــــيرهم .
أما السيد المسيح فكان وحيداً في تفكيره إزاء هؤلاء، كان يحبهم ويعطف عليهم ويريد أن يجذبهم إليه: {وهكذا حدث الناس يحبهم ويعطف الصالح، وسار علي قدميه مسافة طويلة ليهدي امرأة سامرية خاطئة ، ويتحدث إلي مدينة السامرة } .


وهكذا كان السيد وحيداً في تفكيره أزاء الأمم أيضاً .
كان هؤلاء محتقرين من الناس أما السيد المسيح فقال جهاراً عن قائد المائة الروماني :
{ الحق أقول لكم أنني لم أجد في إسرائيل أيمانــــا كإيمـــــان هــــذا الرجــــل } { مت 10:8 }..
وقال هذا الكلام نفسه عن المرأة الكنعانية { مت 28:15 }..


وفي أغلب معامــلات الســـيد للنــاس كان يقف وحده ،
والعــــالم يقف بعيـــــداً عنه من ناحيــــــة أخـــــــري .
يجتمع اليهود حول امرأة زانية ضبطت في ذات الفعل ،
ممســــكين حجــــــارة فى أيديــــهم كي يرجمــــوها .
الجميع لهم فكر واحد .
                  وهو أن تلك الخاطئة يجب أن تموت.


ولكن يسوع له فكر أخر :
                          { من منكم بلا خطية فليقذفها بأول حجر }{ يو7:8 }
هكذا قال لهم، فانصرف الجميع، وقال السيد للمرأة :
                           { وأنا أيضاً لا أدينــــك . أذهبي بسلام  }.


كان السيد المسيح يقف وحده بهذا القلب المحب ،
                      والعـــالم القـــاسي يعجـب منه ،
هذا العــــــــــالم المهتم بالظاهر أكثر من كل شئ :
وليس أدل ذلك من حادثتي الأعميين، والأطفــال :
كــــان الســــــيد خارجـــــــــاً مــــــــن أريحــــا ،
فأعترض طريقة أعميان يصرخان بصوت عال :
{ أرحمنا يا سيد يا ابن داود  }.
وظن الناس يتفكيرهم العالمي
أن هذا الصراخ يزعج رب المجد فانتهروا الأعميين ليسكتا { مت31:20 }.


أما يسوع الطيب القلب فنادي الأعميين إليه ، وفي حنــان شــــفاهما ،
أنه لا ينزعـــج من صـــراخ النــاس وطلبــاتهم كما ينزعـــج الغـــير .


وتكـــرر هذا التصــــرف أيضـــاً عندمـــا ازدحـــم حواليــه الأطفـــــال
وظن الناس أن هؤلاء الصغار يضايقونه فانتهرهم . أما هو فقال لهم :
{ دعوا الأطفال يأتون إلي ولا تمنعوهم لن لمثل هؤلاء ملكوت السموات } { مت14:19 }..


كان وحيداً في فهمه للخدمة :
بينما كان الجمع يفكر أن السيد في جاء ليكـــون ملكاً علي إسرائيل ،
يحكم بأبهــة الملــوك ويخلص اليهــــود من اضطهــاد الرومــــان ،
كـــــان الســـيد يفكـــــر فـــي مملكـــــــة روحيــــــــــــــــة ،
يملك بها علي قلوب الناس قائلاً لهم في أكثر من مناســبة :
{ مملكتي ليست من هذا العالم  } { يو36:18 }..


وعلي هذا الأساس كان يفهم الخدمة :
أنها صليب يحمله الخادم في ارض مبللة بالعرق والدمـوع ..
ولكن هذه الأفكـــار لم يكـــن بفهمهـــا حتي تلاميـــذه أيضاً .


وهكذا إذ حدث التلاميذ :
أنه ينبغي أن يسلم للناس ويقتل ويموت ويقبر،
أخذه بطرس الرسول ناحية وبدأ يوبخه قائلاً
{حاشاك يارب. لا يكون لك هذا }{ مت22:26 }..
فأجابه السيد له المجــد: { أسكت يا شيطان  }،
تري كيـــف كان يمكن أن يخلــص العــــــــالم ،
لـــو نفـــذت نصيحــة بطــــرس المســـــكين !


وهكذا أيضاً فيما كان السيد يضع صليبه أمام عينيه باســــتمرار،
              نري التلاميــذ يتركــون معلمهم وحده في تفكـــيره ،
             متناقشــــين فيمـــــا بينهــــــــم وبــــين أنفســــــهم ،
            { من يكون فيهم رئيساً }!
ونــــــــري ابني زبدي يأتيـان إليه مع أمهمـا ســـاجدين طـــالبين
           ان يجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره ملكوته !


ولكن السيد يرد هذين التلميذين إلي المعرفة الحقيقية للخدمة وطريقها ويجيبهما :
{ لســـــتما تعلمــــــــان مــــــــا تطلبــــــــــــــــــان .
أتستطيعان أن تشربا الكأس التي سوف أشريها أنا ،
وأن تصطبغـــا بالصبغــة التي أصطبغ بهـــا أنــــا ؟  }{ مز38:10 }.


و حتي في كنه الخدمة نجد السيد المسيح واقفاً وحده في تفكيره .
يجمع الناس إليه فيتحــدث إليهم بكــلام النعمة ســـاعات طــويلة ،
حتي إذا ما أقبل المساء يأتي إليه التلاميذ لو يبتاعوا لهم طعاماً { لو12:9 }..


يا للتلاميذ : أنهم لم ينضجوا بعد ،
             هل كانوا يفكرون أن الخدمة مجرد كلام يلقي علي الناس !
             أم أنهــــا محبــــة عامـــلة ! وهكــذا يرد عليهـــم الســيد :
             { لا حاجـــة لهم ان يمضـــوا . أعطـــوهم أنتم ليأكلـــــوا }.


وحيدا في الخدمة :
العالم مزدحم بخدامه، بل ان الخدام فيه لينافس بعضهم بعضاً ،
وكل صاحب مشروع يجد كثيرين ينضمون إليه ويعاونــونـــه .


أما السيد له المجد فإنه واقف وحده ..
لقد قال منذ عشرين قرناً تقريباً وما يزال حتي الآن :
{ الحصــــاد كثر والفعــــــــــلة قليلـــــــــــــــون .
أطلبوا من رب الحصاد أن يرسل فعله لحصاده }
                                           { مت 38:9 }..
ليـــس من ينضم إلي الســـيد في عمــــله .
كل شخص يقول : {أحــــارس أنا لأخي؟ }
                                             { تك9:4 }..


سأصف لك يا أخي العزيز بعض حالات رايتها بعيني…


* أمرأة فقيرة وزوجها وثمانية أولاد :
أكبرهم شاب طائش والذي يليه في السن صبي صغير .
كل أيراد هذه الأسرة حوالي الأربعة قروش يكسبها الرجل يوميـــاً مع بيع الليمـــون مثـــلاً ،
يشتري بها خبزاً يتخاطفه الأولاد في جوع ، ثم تمر عليهم أوقات لا يجدون فيها ما يأكلونه ،
فتحمـــل الأم المســـــــكينة البعـــــض منهم إلي ملجــــأ او جمعيـــة لتتســــول لهم طعـــاماً ،
ومــاذا إذن عن ملابســـهم التي لا تســــتر من جسمهم شــــيئاً ،
وكيف يحتلمون بهده الملابس برودة الشتاء وحــرارة الصيف ،
ثم ماذا عن أجرة حجرتهم وصاحبة البيت التي تهددهم بالطرد ،
وتشبعهم سباً وإهانة كلما قصروا في دفع الإيجار.


* أمرأة أخري أرملة وأولادها ،
كانت تعمـــل في جمعيـــة دينيــــة كحائكة للملابــــس مرضـــت شــهرين ،
وربما لضعفها بسبب قلة الغذاء،
فكانــت النتيجــــة أن اســــتغنت الجمعيــــة عنهـــا بســـبب مرضهــــــا .
ولما قامت الأرملة الفقيرة من المرض ولست أدري تماماً كيف عولجت ..
* كلها حالات في بداية الخمسينيات وأواخر الأربعينات .
وكيف دفعت ثمن الدواء!!
أقول أنها لما قامت وجدت نفسها وحيدة والدنيا مظلمة حولها.


* أرملة أخرى شابة ولها ولدان،
تســكن في حمـتام في بــــدروم في حجـــرة حقـــيرة في منتـهي الرطـــوبة ،
تدفع إيجاراً لها ثلاثين قرشاً ، وهي وأولادها مهددة بالسل وأمراض أخري،
ومهددة قبل كل ذلك بالارتــــداد عن الدين وبالفساد والتشرد .
وكيف تقتات؟ تعمل كغسالة، ولكنها لجوعها ضعيفة الصحة ،
               لا تقوي علي الغسيل فلا تجــد من يســتخدمها .


* وهناك حالات أخري كثيرة، والسيد المسيح واقف وحده يعتني بكل هؤلاء.
 يقيتهم ويجفــــف آلامهـــم، ويعــــزيهم ويعلمهــم الصـــــبر والاحتمـــــال .
وفي كل ذلك يريد أن يشرك معه البعض منا نحن الخطاة في شرف الخــدمة ،
ولكنه مع كل هذا ينظــر فيجد الحصــاد كثيراً والفعلــة قليلين ،
ويجد الجميع قد انصرفوا كل واحد إلي خاصته وتركوه وحده .


من الخاسر في هذه الوحدة ؟
ليس هو السيد المسيح طبعا فهو ليس وحده ،
لأن الآب معه وهو ليس محتاجاً إلي عبوديتنا بل نحن المحتاجون إلي ربوبيته .
وهو عندما يدعونا أن نقف معه في وحدته ، إنما يقصـــد خيرنا نحن بالــــذات .
لأنه :{ إن كان الرب معنا فمن علينا }


والذي يسير مع المسيح سيجد لــــذة روحيــــة خاصة :
                             { تحت ظله اشتهيت أن أبيت }.


كما أنه في صحبة السيد لا يخاف شراً :
{ إن سرت في وادي ظل الموت لا أخاف شراً لأنك أنت معي  }
{ وإن قام علي جيش ففي ذلك أنا مطمئن  }
{ عصـــــاك وعكـــــازك همــتتا يعزيـــاني }{ مز23:،مز 27 }..
هوذا المسيح ما يزال واقفاً وحده يقرع علي الباب ،
حتي إذا فتحت له يدخل ويتعشي معك وأنت معـــه .
فهل لا تــزال مصراً أن تتركـــه واقفـــاً وحــــــده ؟



ليست هناك تعليقات :

إرسال تعليق